728x90

468x60

Sunday, June 24, 2018

إسلام نوسانتارا عند العلامة الحبيب عبدالله بن محمد باهارون

إسلام نوسانتارا عند  العلامة الحبيب عبدالله بن محمد باهارون رئيس جامعة الاحقاف، رئيس الجمعية الإسلامية

السؤال : يا سيدي، ما وجهة نظركم عن إسلام نوسانتارا، هل فيه تفريق للأمة الإسلامية أو توحيدها ؟؟

الجواب : هذه الفكرة سمعت عنها قبل فترة، وأنّها تختلف باختلاف المفسرين. منهم من يفسرّها بأنّها الإسلام الذي جاء به الأولياء التسعة، وهو الذي يتناسب مع عادات أهل جاوة وأعرافهم، لا توجد فيه قسوة ولا جفاء ولا غلظة. بل فيه لين ورفق يمكن أن يتأقلموا معهم ويرفقوا بهم حتّى أسلموا تحت أيديهم عموما في فترة وجيزة متمسكين بمذهب الشافعي وعقيدة الأشعرية وطريقة الصوفية. لا يوجد فيه إكراه ولا تكفير ولا شدة ولا غلظة، بل بعكس ذلك كله. وقد تلَّقَوه هكذا سلفا عن سلف خلفا عن خلف. وهو الذي قام به العلماء الإندونسيون المتأخرون كأمثال الشيخ هاشم أشعري والشيخ بشري شنشوري والشيخ خليل بنكالان.

فإذا فسّر إسلام نوسنتارا بهذا التفسير، فهذا قُوَيْس لا إشكال فيه، ونحن موافقون مع هذه الفكرة؛ لأنّ هذا هو الواقع الذي وجدناه مسطورا في كتب سير السلف الصالحين. ومعلوم أنّ دعوة أهل حضموت أنظف الدعوات، لا فيها قصد جمع المال ولا فيها قصد الاستعمار ولا فيها تأثير العوائد الفاسدة ولا فيها إكراه الآخرين للدخول إلى الإسلام. لو نظرنا إلى دعوة الهولانديين، فقد استعمروا إندونسيا في مدة 350 سنة، ولكن ماذا تركوا ؟؟ ما تركوا شيئا، لا اللغة تركوا ولا اللباس ولا المدارس ولا النهوض إلى التقدّم، بل بعكس ذلك كله؛ فإنّهم أخذوا كل شيء ثروات وأموال البلاد وأضف إلى ذلك الكتب والمخطوطات التي كتبها أعيان أندونسيا وعلماؤها ما تركوها إلّا نزرا يسيرا، فهم لا يزوّجون ولا يتزّوجون مع أهل البلد، وإذا تزوّج أحدهم مع أهل البلد طردوه من قبيلتهم، ويرفضونه رفضا باتا. ومع ذلك فإنّ هولنديين لا يتأقلمون مع أهل جاوة بل استخفوا بهم، ويعتبرون كالبهائم التي تقاد لقضاء حوائجهم اليومية ولا يحترمونهم كالإنسان وشاهد ذلك هو الواقع. وأمّا علماء حضرموت بعكس ذلك تماما، فإنّهم تزوّجوا مع أهل البلد ويزوّجون فيما بينهم. فإنّي وجدت أهلي –من قبيلة جمال الليل- كم وكم وجدت أبناءهم سودا؛ لأنّ جدّهم يدعو ويتزوّج بأفريقية عندما كانوا يعملون الدعوة بها، ووجدتهم بيض اللون؛ لأنّهم دعوا وتزوّجوا بالأتراك، وكذلك وجدت فيهم ممن وجوههم لم تكن فيها ملامح عربية أصلا؛ لأنّهم كانوا يدعون ويتزوّجون مع أهل جاوة أو أهل الصين. لم كان هذا ؟؟ لأنّهم استطاعوا أن يتأقلموا معهم ويدخلون في أعرافهم ولغاتهم ويندرجون في عوائدهم، ولا يكلفون أنفسهم أن تتأثروا بدعوات أهل حضرموت، بل أهل حضرموت تتأثّر بعوائد وأعرافهم. لم كان ذلك ؟؟ لتكون الدعوة أقرب إلى القبول والاستجابة. وكانت بعض اللغات التي يتكلم بها أهل حضرموت اندرجت في لغات أهل جاوة، وينشرون الآداب والأخلاق وكيفية احترام الآخرين. فهذا ميزة من مزايا دعوات أهل حضرموت، وخاصة الأولياء التسعة فإنّ أصولهم حضارم لا الهنود ولا الصين.

لكن إذا قام السياسيون بتفسير إسلام نوسانتارا، فشيء آخر، وله حالة أخرى. فإنّهم حاولوا تغيير مفهوم معناه للوصول إلى أغراضهم. خذ من ذلك مثالا: فإنّ إسلام نوسانتارا قام بالتسامح مع الأديان الأخرى فيجوز من المسلم أن يتزوج من البوذية ويجوز للبوذي أن يتزوّج بالمسلمة، وعلى ذلك فقس. فإن كان قولهم كالذي ضربنا مثاله، فنحن قطعا لا نوافقه؛ لأنّهم جعلوا إسلام نوسانتارا حصنا يلجؤون إليه لتحقيق أغراضهم الفاسدة والحصول على مرامهم الكاسدة وحائطًا يتسترون به عن عيوبهم. لأنّ منهم من يقوم مقام هذا الأخير. فإذا اعترض علينا هذه الطائفة الأخيرة، فنقول لهم -كما في قصة أحد العلماء (لو لم تخن الذاكرة أنّ صاحب القصة هو الجاحظ) في معرض الردّ على اليهودي أو النصاري في عدم قبول المسلمين لدين اليهود والمسيحي (ثمّ ذكر قصّته)-: إن كان تفسيرك لإسلام نوسانتارا كما فسّره الأولياء التسعة والشيخ هاشم أشعري وغيرهم من علماء إندونسيا عقيدةً وفقهًا وطريقةً فنحن قبلناه، وإن لم يكن كما فسّروه فنحن قطع بردّ تفسيركم لإسلام نوسانتارا.

فلهذا يا أولادي، لا تغتروا بالمسميات، بل انظر إلى حقائقها فإن كان موافقا للشرع فاقبلوه وإلّا فردّوه. 

والحاصل أنّ في إسلام نوسانتارا إيجابيات وسلبيات، والشيء الإيجابي هو لنعلم ونعرف أنّ الإسلام في إندونسيا هو الإسلام الذي ينبغي أن يقلده المسلمون في بقية البلدان لما فيه من لطف الأخلاق وجمال الأسلوب وتطبيق حقيقة الإسلام، ولكن لا نحجر الباقين أنّ فيهم كذلك إلّا أنّ في إندونسيا زيادة على غيرها، ولغيرها زيادة على إندونسيا. فنحن نعتقد أنّ في حضرموت عوائد حسنة لم تكن في إندونسيا، وفيها كذلك عوائد حسنة لم تكن في حضرموت، فقس على سائر البلدان الإسلامية. فكلّ أحد منهم يأخذ الأشياء الحسنة من الآخرين بعضهم البعض؛ لأنّ المسلمون بعضهم البعض كالبنيان يشدّ بعضهم البعض. فينبغي لكل المسلمين أن يقوم بهذا، ولا يسعى في تفريق الأمة الإسلامية. وكنت قبل خمس سنوات من الآن أنوي أن أعمل دورة علمية حول الإسلام في إندونسيا مع العلماء في ندونسيا، وهذه الفكرة غير بعيدة عن فكرة إسلام نوسانتارا إن لم تكن عينها وينبغي للإندونسيين أن ينشروا هذه الدعوة للمسلمين في البلدان، ولكن شاءت الأقدار أن تفعل ما تريد.
 
والشيء السلبي ممن قبل هذه الفكرة، هو أنّ منهم من قام بالموازنة بين إسلام نوسانتارا وإسلام أفريقيا وإسلام أمريكا والإسلام في البلدان الأخرى، ثمّ يسعى في الاستكبار على الآخرين فهذا خطأ؛ لأنّه كما قلنا: المسلمون يشدّ بعضهم بعضا، فإذا أخطأ أحدهم ينبغي أن يصوّبه آخرون. ولا يجوز أن يستخفّ بهم لا سيّما يستكبر عليهم ويدّعي أنّه هو الوحيد صاحب الحق الذي لا يشاركه غيره ويدّعي أنّ الآخرين هم أصحاب الأخطاء فينبغي أن يقلّدهم في كل الأمور حتى فيما تتعلق بالعوائد والأعراف. فهذا خطأ قطعا؛ فإنّ هذا من الاستكبار والتكبر الذي نهانا الله تعالى عنه.

وقد يحكمون على شيء في البلاد العربية، والإسلامُ براءٌ منه، كالتكفير وقتل المسلمين بغير سبب مقبول ومعتبر عند الشرع الذي طالما وجدناه في الأخبار كأمثال (داعش، ISIS)، فهذا لا ينسب إلى شيء من الإسلام، فكيف يحكمون أنّ هذا إسلام العرب أو ما يسمّون بإسلام الشرق الأوسط؛ و(الشرق الأوسط) صار اصطلاحا مشهورا فيما بين المسلمين؛ فإنّ هذا الاصطلاح في الأصل استعمله الغربيون من أهل أوربا فإنّ الجزيرة العربية جغرافيًا تقع في الشرق الأوسط بالنسبة لمن في الأوربا الغربية لا لغيرهم كإندونسيا مثلا، لكن صار هذا مصطلاحا شائعا فيما بين الناس.
 
في النهاية أنّ هذا الاصطلاح –أي إسلام نوسانتارا- يجوز أن يستخدم ولكن على التفسير الذي ذكرنا، سوى ما فسّره السياسيون؛ فإنّ هذا الثاني مرفوض قطعا وإنّها تفسير بالهوى والأغراض. فكل شيء لا سيّما مثل هذه الأسماء نعرضه على كتاب الله وسنة رسول الله، فإن وجدناه موافقا لما فيهما فبها ونعمت، وإلّا فاحكم ببطلانه، ولا تغترّوا بالمسميات وانظروا إلى الحقائق.

عبد العزيز جازولى 

« PREV
NEXT »